صاغ المؤرخون المحليون الأوائل تاريخ جبل لبنان الذي كان يشكل القسم الشمالي من ولاية طرابلس العثمانية، كما رغبوا أن يكون لا كما وقع فعلا، وطلبوا من وقائع التاريخ أن تثبت ما يرون ويتمنون، وتشهد أن هوية هذه المناطق تعود إلى جماعات معينة لا إلى “الطارئين” و”المتطفلين” مستعينين بالمبالغة والإجتزاء وربما لجأوا في محطات مفصلية إلى الوضع والتزوير، خدمة لمآرب طائفية أو سياسية، تتنافى مع مقتضيات الأمانة للتاريخ والإخلاص له.
إن التاريخ لا يمكن حجبه أو تعديله أو تبديله إلى الأبد، فلا بد للحقيقة أن تظهر يوما فتبدد الزيف والتشويه. ولا يبقى ويستمر إلا ما يوافق السند المتين والمنطق العلمي القويم وكل ما هو مجرد عن العرض والميل والهوى والتمنيات.
إن هذا البحث هو محاولة لمقاربة هذه المبادئ، من خلال الأرشيف العثماني والتقارير الدبلوماسية الأوروبية المعاصرة للأحداث ومشاهدات الرحالة والوثائق الرسمية المحلية، وما يتوافق معها من المراجع الأخرى، لإعادة كتابة تاريخ الوجود الشيعي الأساسي، الفاعل والمؤثر في هذه المناطق اللبنانية، وإزالة السحب التي حجيته طويلاً عرضاً أو قصداً، وتسليط الضوء على التجربة الشيعية الإنسانية والسياسية والاجتماعية حكاماً ومحكومين وفي بعض الحقب مهجرين قسرا طيلة العهد العثماني.
كتاب تاريخ الشيعة في لبنان
الكاتب سعدون حمادة