غلطة الشاطر بألف.. هكذا يقول المثل.. والمقصود ب “الشاطر” هنا هو الشخص المحنك الذي يفترض أنه تعلم من تجاربه السابقة، وكذلك تجارب الآخرين، كيف يتخذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة، بحكمة وعقلانية، أو بشجاعة وجرأة. الشاطر أيضا هو من يحسن تقدير الأمور، فيحسن التعامل معها دون عصبية أو انفعال، ودون مغالاة أو شطط، ودون الانسياق وراء عواطفه، مع حسن توقعه أو تنبؤه بتبعات كل قرار يتخذه وعواقبه. وإذا كان “الشاطر” -أو هكذا يفترض أن يكون- من عامة الناس فإن تبعات ما يتخذه من قرارات تكون محدودة، حيث تحمل السعادة أو التعاسة لدائرته المحيطة وغالبا ما تكون قرارات تكون محدودة، أما إذا كان الشخص ممن يشغلون منصبا سياسيا أو عسكريا كبيرا فإن قراراته تمس عشرات أو ربما مئات الملايين من شعبه والشعوب المجاورة، وربما العالم أجمع إذا كان زعيما أو حاكما لدولة عظمى، أو دولة حتى صغرى أقدم على خطوة غير محسوبة أشعلت حربا، أو ولدت أزمة دولية. فغلطة الشاطر في عالم السياسة غالبا ما يكون ثمنها فضيحة سياسية مدوية، أو هزيمة عسكرية مروعة، أو حربا عالمية أو إقليمية مدمرة تنتهي بتدمير بلاده وتدميره.
غلطة الشاطر إذا كان كبيرا قد تغير أيضا مسار التاريخ فتسقط بسببها إمبراطوريات، أو تفنى بسببها ثروات، أو تذهب بسببها منجزات ومكتسبات لطالما قدمت الشعوب من أجل بلوغها الغالي والنفيس. وقد تؤدي غلطة الشاطر إذا كان سياسيا إلى تجريده من ألقاب خلعها عليه شعبه عرفانا له وتقديرا قبل أن يذل ويسقط، لتحل محلها ألقاب جديدة مهينة ومذلة.. وقد لا تتوقف الأمور عند هذا الحد، فقد علمنا التاريخ أن هناك من الكبار من يدفعون حياتهم ثمنا لغلطة كبيرة ارتكبوها في لحظة سقوط صاحبها أسيرا لغطرسة القوة في تعامله مع جيرانه، أو سلوك إجرامي تجاه خصومه ومعارضيه، أو انفلات أخلاقي في لحظة طيش، أو نزوة عابرة!!
وفي هذا الكتاب، نتعرف سويا عزيزي القارئ على أكثر الأخطاء التاريخية التي ارتكبها سياسيون كان يفترض فيهم ألا يفكروا حتى في الإقدام عليها نظرا لخبراتهم وتجاربهم ودروس التاريخ المستقاة من حصيلة تجارب من سبقوهم.. شخصيات وشخصيات في هذا الكتاب كل منها كان يحمل لقب “شاطر” ولكن بغلطة واحدة كبرى، وربما بخطيئة من العيار الثقيل أضاع من يده كل شيء، أو طمس كل ما سطره من تاريخ أو سمعة!!