المنطق هو العلم الذي يبحث في المبادىء العامة للتفكير الصحيح ، إذ يضع الشروط الضرورية التي يتم بواسطتها الإنتقال من قضايا نفترض صدقها ، إلى النتائج اللازمة عنها ، وهذا يعني أن للمنطق مجاله وطبيعته الخاصة به التي تميزه عن غيره من العلوم ، فمجاله التفكير الإنساني ، ولكن من زاوية خاصة ، وهي الشروط التي تجعل التفكير صحيحاً وخالياً من التناقض في جميع العمليات الفكرية الإستدلالية : وعليه ، فإن الشيخ المظفر يقول في الحاجة إلى المنطق : خلق الله [ تبارك وتعالى ] الإنسان مفطوراً على النطق بالحروف الهجائية ، وجعل اللسان آله ينطق بها ولكن مع ذلك – يحتاج إلى ما يقوّم نطقه [ بالألفاظ ] ويصلحه ليكون كلامه على طبق اللغة التي يتعلمها ، من ناحية هيئات الألفاظ وموادها : فيحتاج أولاً – إلى المدرب الذي يعوّده على ممارستها و – ثانياً – إلى قانون يرجع إليه [ الإنسان [ كي ] يعصم لسانه عن الخطأ [ في التلفظ ] وذلك [ القانون ] هو [ وظيفة علمَي ] النحو والصرف . وكذلك خلق الله [ تبارك وتعالى ] الإنسان مفطوراً على التفكير [ والتحليل ] بما منحه [ تبارك وتعالى ] من قوة عاقلة مفكرة ، لا كالعجماوات [ البهائم التي لا قوة عاقلة لها ] ولكن – مع ذلك – نجده [ أي الإنسان ] كثير الخطأ في افكاره : فيحسب ما ليس بعلّة علّة ، وما ليس بنتيجة لأفكاره نتيجة ، وما ليس ببرهان برهاناً ، وقد يعتقد بأمر فاسد أو صحيح من مقومات فاسدة … وهكذا ، فهو – إذن – بحاجة إلى ما يصحح أفكاره ويرشده إلى طريق الإستنتاج [ والتفكير ] الصحيح ، ويدرّبه على تنظيم أفكاره وتعديلها ، وقد ذكروا [ أي المناطقة ] أن ( علم المنطق ) هو الأداة التي يستعين الإنسان على العصمة من الخطأ [ في تفكيره ] وترشده [ هذه الأداة ] إلى تصحيح أفكاره . [ … ] ومن ثمّ يعقد مقارنة بين علمي الصرف والنحو فيقول : ” فكما أن [ علمَي ] النحو والصرف لا يعلمان الإنسان النطق بالحروف الهجائية ] وإنما يعلمانه تصحيح النطق [ بالجمل والألفاظ ] فكذلك علم المنطق لا يعلم الإنسان التفكير ، بل يرشده ، [ ويدله ] إلى تصحيح التفكير . إذن : فحاجتنا [ نحن بني البشر ] إلى [ علم ] المنطق هي [ لأجل ] تصحيح أفكارنا ، وما أعظمها من حاجة ، [ فالإنسان إنسان بفكره وروحه ] … وعليه ، ونظراً ما لموضوع علم المنطق من أهمية ، وما زاد من أهميته ما كتبه حوله الشيخ المظفر ، ونظراً لما كان هناك من مسائل هي بحاجة لتوضيح ، جاء هذا الكتاب ، والغاية منه توضيح لكتاب المنطق للعلاّمة محمد رضا المظفر ، حيث راعى الشارح في شرحه حال المبتدئين في دراسة هذا العلم ، فعكف على عرض مسائله بجلاء ، مبسطاً الكلام ، موضحاً العبارات ، دون أن يعرض إلى مطالب لم يتعرض لها المصنف ؛ وإن كانت هناك إشارة ومناسبة للكلام في مواضيع مختلفة ؛ لكن مراعاة للحال ، وبأن يكون الكلام وفق مقتضى الحال ، ولئلا تتشعب المطالب ، كان الإقتصار على ما في متن الشيخ المظفر . ولأجل توسيع ثقافة الطلب المنطقية ، وتسليطاً للضوء أكثر على بعض المطالب ، عمد الشارح إلى إيراد فقرة ، تضمنت موضوع ” بحث للمطالعة ” . وعليه ، جاء عمله على النحو التالي : كان العمل في توضيح منطق الشيخ المظفر مبنياً على جملة أمور هي : الأول : وهو الأساس في عمله هذا ، تقطيع المتن ضمن مقطع علمي واحد ، وعرض توضيح لكل مقطع . الثاني : شرح مزجي ، فبعض عبارات المتن تحتاج في نفسها إلى توضيح غير التوضيح الذي هو لأصل الموضوع . الثالث : الهوامش ؛ فإن بعض عبارات المتن تحتاج إلى توضيح ، وهذا التوضيح قد يكون في بعض الأحيان كبيراً ، مما يسبب وضعه في المتن مزجاً إرباكاً للمتن ، لذا ارتأى وضعه في الهامش . هذا وقد شمل هذا التوضيح ثلاثة أجزاء.
كتاب توضيح منطق الشيخ المظفر 3/1
الكاتب عمار محمد كاظم الساعدي